كان موضوع العلاقة بين التاريخ والرواية، وربما الأدب عامة، وسيظل، موضع نقاش، بين من يرى أن الروائي الجيد مؤرخ بامتياز، لكنه لا يكتب التاريخ بالطريقة التي يكتبه بها المؤرخ، وإنما يختار مفصلاً زمنياً منه، فيكسبه حياةً من لحم ودم، وقد تكون الغاية هي الحديث عن الحاضر باستخدام وقائع التاريخ.
ويبدو لي أن غاية رضوى عاشور، مثلاً، في «ثلاثية غرناطة»، وهي تتبع معاناة من بقى من العرب في الأندلس بعد سقوط الحكم العربي فيها، الذين عرفوا بالمورسكيين، كانت عقد مقارنة، حتى لو لم تفصح عن ذلك، بين ما عاناه هؤلاء وما يعانيه الفلسطينيون الذين واجهوا ويواجهون حملات تهجير ومصادرة للحقوق.
الروائي العراقي فؤاد التكرلي يقول: إن «التاريخ يُسجّل العبور اللامنتهي للحشود الزمنية، وهي تقطع الزمن، أما الرواية فتقوم بمهمة تبدو نقيضة، هي الإمساك بوجود الفرد الإنساني على صفحة الأيام، فتجعل منه مقيماً لا عابراً على خلاف ما يفعله التاريخ أو المؤرخون». وفي حوار متلفز مع نجيب محفوظ تناول هذا الموضوع، في مقاربة تبدو قريبة جداً من هذا، قائلاً إن المؤرخ عالم ملتزم بمنهج علمي، يبحث الوثائق والمراجع العلمية بموضوعية كاملة، كي يصل إلى الحقيقة التاريخية، فيما يكتب الأديب عملاً فنياً يراد به إمتاع الناس، وإيصال أفكار إليهم، قد تتصل بالتاريخ وقد لا تتصل.
وبرأي محفوظ أيضاً، فإن هناك نوعاً من القصة التاريخية يكاد يختلط فيه دور القصّاص بدور المؤرخ، حين يأخذ بالقارئ إلى زمن آخر، وأعطى مثالاً بذلك فيما لو اختار الروائي عهد معاوية بن أبي سفيان مثلاً، فإنه يتعيّن عليه أن يدرس المجتمع الأموي من جوانبه المختلفة: كيف كانت الناس تعيش، وما هي الشخصيات البارزة، وما هو نظام الحكم، وكيف هي طقوس الولادة والوفاة، ومن خلال هذا يُمرّر حكاية صغيرة، وفي هذا يتساوى دور وهدف المؤرخ والروائي، فكلاهما يبحث عن الحقيقة التاريخية، وفي هذه الحال، فإن نسبة الأدب في الرواية...
يستدرك محفوظ قائلاً: «مش كل القصص التاريخية كده. في تاريخ يأخذ الإطار ويخلق قصة»، ومرة أخرى يدعونا محفوظ للعودة للتاريخ، ولنتخيل أننا نعيش في عصر محمد علي، لكن الروائي هنا يبتكر شخصية متخيلة، ولتكن مهاجراً شامياً أتى مصر في تلك الفترة، تعرّف إلى عائلة مصرية وتزوج من ابنتها، ثم تحدث ملابسات تجعله يقابل محمد علي. إنها حكاية لا أصل لها في التاريخ، لكن الكاتب يجعلها مقنعة، حين يُحسن التماهي مع شخصيات ذلك الزمن، ويتمثل تفاصيل العيش فيه.
الإمارات العربية المتحدة أحدث الأخبار, الإمارات العربية المتحدة عناوين
Similar News:يمكنك أيضًا قراءة قصص إخبارية مشابهة لهذه التي قمنا بجمعها من مصادر إخبارية أخرى.
درّاجتا راسل وشو تصطدمان | حسن مدن | صحيفة الخليجد. حسن مدن
اقرأ أكثر »
حسن الذي عرّف كويلو بمصر | حسن مدن | صحيفة الخليجكان لدى الروائي البرازيلي باولو كويلو وهو في بداية حياته حلمان، الأول أن يصبح كاتباً، والثاني أن يزور مصر.
اقرأ أكثر »
بلينكن ومارك و«ما لا يليق» | حسن مدنأثار كل من وزير الخارجية الأمريكي بلينكن، ورجل الأعمال مؤسس «فيسبوك»، ومالك «ميتا» مارك زوكربيرج، حالاً من السجال على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، لما أتى به كل منهما مؤخراً من تصرف، بعث على ردة الفعل هذه، لأن الناس وضعوا التصرفين في خانة «ما لا يليق».
اقرأ أكثر »
«الموناليزا».. خيال أم واقع؟ | حسن مدند. حسن مدن لا أحسبني الوحيد من فوجئ بحجم لوحة «الموناليزا» لليوناردو دافينشي، حين رأيتها في الزاوية المخصصة لها في متحف «اللوفر» بباريس.
اقرأ أكثر »
رسالة لافتة في مخطوط صغير | حسن مدن | صحيفة الخليجد. حسن مدن يصحّ وصف المستشرق الروسي، إغناطيوس كراتشكوفسكي (1883- 1951)، بالمستعرب، لمقدار ما كان عليه من شغف باللغة العربية وآدابها، ودأبه في التنقيب عن القديم من المخطوطات العربية، واستخلاص ما فيها من جواهر، لم يلتفت إليها حتى العرب أنفسهم، ورثة الكتّاب الذين وضعوا تلك المخطوطات.
اقرأ أكثر »
ما صدحت به أم كلثوم وفيروز | حسن مدن«أنساك؟ ده كلام»، هكذا تغني أم كلثوم، من كلمات مأمون الشنّاوي وألحان بليغ حمدي، مصرةً على
اقرأ أكثر »