أحياناً يشدّنا اسم مترجم كتاب بمقدارٍ لا يقلّ، إن لم يزد، عن اسم المؤلف، خاصة حين تكون تلك المرة الأولى التي نعرف فيها اسم الأخير، فيما نحن نعرف المترجم جيداً، ونثق بقدراته وتمكّنه لا من اللغة التي ترجم منها، وإنما من اللغة العربية أيضاً التي ترجم إليها.
يحدث هذا معي كثيراً. سأحدثكم الآن عن قصةٍ قصيرة مترجمة قرأتها مؤخراً لكاتبة نيوزيلندية هي كاثرين ماتسفيلد . عنوان القصة «الآنسة بريل»، وهو اسم بطلتها، التي اعتادت كل يوم أحد الخروج إلى الحديقة العامة المجاورة، حيث تعزف فرقة موسيقية أغاني يحبّها الناس، وإلى الحديقة يأتي زوّار من مختلف الأعمار؛ متقاعدون تقدّم بهم العمر، عشاق في مقتبل العمر، أطفال مع عائلاتهم يستمتعون بفسحةٍ للعب.
ذات أحد أخرجت الآنسة بريل فرواً شتويّاً أخفته في صندوق شهوراً، ووجدت أن الطقس بَردَ بما يكفي لارتدائه. وفيما يشبه المناجاة، راحت الآنسة تخاطب فروّها، متخيلة أنه، وبعد أن نفضت عنه الغبار ثم نظفته بالفرشاة، يسألها بعد طول الغياب: ما الذي قد أصابنا؟ في الحديقة ستختار الآنسة بريل لنفسها مقعداً، منه تشاهد وتسمع الفرقة الموسيقية وهي تعزف وتغني، وتراقب الغادين والرائحين. على الطرف الثاني من المقعد يجلس رجل وامرأة.
بعد مشاهدات كثيرة حكتها الكاتبة بعذوبة كبيرة وتشويق آسر، مستعيرة من الآنسة بريل عينيها التي تراقب من حولها المشاهد والناس وتصفان ما ترى. بعد توقف قصير عادت الفرقة إلى العزف في اللحظة التي أتى فيها إلى الطرف الثاني من المقعد الذي جلس عليه العجوزان، فتى وفتاة عاشقان، وفي لحظة شعرا بأن وجود الآنسة الغريبة على الطرف الثاني من المقعد يفسد خلوتهما. سمعت الآنسة بريل الشاب وهو يقول لمحبوبته: «ما الذي يدفعها إلى المجيء هنا؟»، فردّت المحبوبة ضاحكة: «إن الذي يضحكني هو فروها..
عادت الآنسة بريل إلى البيت خائبة. صعدت الدرج ودخلت غرفتها. رفعت الفراء عن عنقها بسرعة، وأعادته إلى الصندوق الذي كان فيه، ولما وضعت الغطاء عليه خُيّل إليها أنها سمعت شيئاً يجهش بالبكاء. ما حملني على قراءة هذه القصة، بل واقتناء كتاب المختارات القصصية الذي حواها، وعنوانه «أيلول بلا مطر» هو اسم المترجم الذي لا يُقاوم: جبرا إبراهيم جبرا.كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".
الإمارات العربية المتحدة أحدث الأخبار, الإمارات العربية المتحدة عناوين
Similar News:يمكنك أيضًا قراءة قصص إخبارية مشابهة لهذه التي قمنا بجمعها من مصادر إخبارية أخرى.
سيفان حسن.. من لاجئة خجولة إلى بطلة أولمبيةقبل عقد من الزمن، خطت لاجئة شابة من إثيوبيا تدعى سيفان حسن...
اقرأ أكثر »
بعد ضربات روسية.. زيلينسكي يطالب باجتماع طارئ لمجلس الأمن ويتوعّد بالرددعت أوكرانيا إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي بعد الضربات الروسية، الاثنين، على مدن أوكرانية
اقرأ أكثر »
بايدن أم ترامب لمن يصوّت أصحاب الياقات الزرقاء؟اعتادت أغلبية الناخبين من الطبقة العاملة في مدن «حزام الصدأ»، مثل بيتسبرغ...
اقرأ أكثر »
خاف من افتضاح أمره فروّج لشائعة أرعبت سكان مدينة مصريةخاف أحد الأشخاص القاطنين بإحدى مدن القاهرة من افتضاح ارتكابه أفعالاً مجرمة
اقرأ أكثر »
إنفيسكو: المستثمرون السياديون يتجهون نحو الأسواق الناشئةأشار الإصدار السنوي الثاني عشر من تقرير «إدارة الأصول السيادية العالمية» من شركة إنفيسكو...
اقرأ أكثر »
اقتصاد الإمارات يتأهب لتحقيق أداء متميز في النصف الثانييتأهب اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة لمزيد من النمو خلال النصف الثاني من العام الجاري
اقرأ أكثر »