الحريـة والنـظام في القيـم.. بقلم: عبد الاله بلقزيز صحيفة_الخليج
لجدليّة الفرد والمجتمع وما يقع بينهما من تجاذبٍ أو تجافٍ وأحياناً، من تناقضٍ ، تجلّياتٌ عدّة وعناوين مختلفة تَقْبَل جميعُها التّعبيرَ عن نفسها في مشتَرك جامعٍ هو: جدليّة الحريّة والنّظام.
في نسيج كلّ منظومةٍ من القيم، في أيّ مجتمعٍ من المجتمعات، قدْرٌ مّا من تعقُّد التّشابُك بين خيوط الفاعلين داخل هذه المنظومات يحتاج إلى فكِّ المعقود منه لتَجْري التّفاعلات فيها على نحو من السّلاسة والانسيابيّة. حين تنكفئ منظومة القيم على نفسها، محافظةً على مجرى علاقاتها الاعتياديّ، ومتحصِّنةً ضدّ ما قد يداهمها من عناصر برّانيّة عنها، لا تُلْحظ فيها - حينذاك - أَمارات اختلال في التّوازن والاشتغال، لأنّ الفاعلين فيها لم يشهدوا في علاقتهم على أيّ اصطدامٍ يضع المنظومة في حالٍ من الاضطراب.
أمّا حين تنفتح منظومةُ القيم على خارجها، إمّا انفتاحاً كليّاً - وهذا يحدث في النّادر من الأحوال - أو انفتاحاً جزئيّاً وموضعيّاً - وهو الأغلب - تتلقّى من خارجها ذاك ومن موارده ما لا يُبْقيها على ما كانَتْهُ ودرجَت عليه، حتّى وإن لم يقع في بنيانها تغيُّرٌ كبير ملموس. في مثل هذه الحال، قد تُلْحَظ فيها علائمُ تبدُّل وإنْ بطيئاً وزهيد الكلفة على توازنها، لأنّ جديداً مّا جَدّ في علاقات الفاعلين فيها، وفي صلة كلٍّ منهم بالقيم: ما كان منها موجوداً وما استجدّ على المنظومة.
ما من شكٍّ في أنّ تفاعلات نظام القيم مع الوافد عليه تتفاوت بتفاوُت شدّة تأثير ذلك الوافد ومصدره. في كلّ الأحوال يتجسّد ذلك الوافد في فاعلٍ من المنظومة: الفرد/الأفراد؛ إذ هو من يحمل القيمة الجديدة الوافدة من خارج فيعبّر عنها في المسلك والتّصرُّف والعلاقات، ويضعها في مقابل نظامٍ قيميّ قائم لا يقبلها.
يمكننا أن نتفهّم المخاوف العامّة من أثر التّحوّلات العالميّة الجارية على منظومات القيم في المجتمعات ولدى الشّعوب المعرَّضة لضغط تلك التّحوّلات، بل من واجبنا أن نأخذها في الحسبان لا أن نكتفي بتفهُّمها والتماس العذر لها فحسب؛ فالنّظام - نظام القيم - يدافع عن نفسه مدافعة مشروعة ضدّ ما قد يَدْهمه من أخطار.