الأمواج تغني صحيفة_الخليج
يعتبر «البحر» من الفضاءات المثيرة للفنان التشكيلي، فرموزه ومردودات أساطيره، تمثل نقطة جذب ومغامرة مفتوحة، خاصة للفنانين الذين لا يكتفون بالصورة كشكل، بل يحملونها بمضامين متعددة، تفتح باب الذاكرة لكل متلق، فيربطها بأساطيره وحكاياته الخاصة، فحركة البحر المتتالية توحي بالأبدية، كما أن دلالة البحر ارتبطت بالخصوبة والعطاء، وقد تلازمت المرأة والبحر في إبداعات كثير من الفنانين.
في باريس أقيم بمتحف الفن الحديث في الفترة من 29 أكتوبر إلى 27 فبراير 2000 معرض ضم أضخم إنتاج في تاريخ تلك الحركة الوحشية، وكان على رأس هؤلاء الفنانين «ماتيس» الذي استقبل زوار المعرض بلوحته «نساء على الشاطئ»، كذلك كان «أندريه دوره» يستقبل جمهوره بلوحة الحقل، وقد تابع ذلك المعرض الفنان والناقد «عبد الرازق عكاشة»، موضحاً أن «أندريه دوره» كان يختصر ويختزل، ويلغي الحدود السوداء، بحثاً عن نور، حتى يحطم أسس الظلال، ويضرب الأرض باللونين الأحمر والأصفر،...
هذه التجربة غيّرت مفاهيم كثيرة لدى شفيق، فمعايير لغة الشكل جعلته يؤلف بأشكاله الحسية مقطوعات، هي إلى الموسيقى أقرب، وقد تمثلت هذه اللغة الموسيقية في البحر، وأصبح محركاً لوجدان الفنان، لساعات متصلة كل يوم، فكان يراقب الأمواج المتعاقبة، وهي تهاجم الشاطئ بضراوة، في نظام كوني لا يختل، بين الهدوء والصخب والنعومة والغضب، منطوياً على أسراره الأزلية، هكذا كانت أمواج البحر هي الخلفية المثالية للمرأة، في أغلب اللوحات والبيئة المناسبة لوجودها، كأنها ولدت من زبد البحر.
في أعمال تلك المرحلة كانت التجربة اللونية ذات أهمية خاصة، إنها مزيج من الكثافة والشفافية، إذ يبدو الفنان وكأنه يكسو مساحات القماش بطبقة كثيفة من الألوان، ثم يعود فيكشطها بسكينه، تاركة تأثير الألوان المتراكمة، التي نراها من خلال مقطع رأسي لأحد الجبال، أو تأثير انسحاب موجات الماء عائدة إلى البحر لحظة الجزر، مع تداخل لون الزبد مع حبات الرمل، وانعكاس لون السماء وأشعة الشمس فوق الشاطئ.