لطالما شكلت منطقة البلقان نقطة صراع في المنطقة باعتبارها عقدة مفصلية بين أوروبا وآسيا، إضافة إلى كونها منطقة استراتيجية من ناحية موقعها وثرواتها، وتركيبتها الإثنية والدينية المعقدة. لكنها ظلت منذ مطالع القرن العشرين وتحديداً بعد الثورة البلشفية تشكل مجالاً حيوياً للاتحاد السوفييتي وجزءاً منه، حتى بعد تفككه عام 1991. وكانت أرمينيا تحديداً تمثل جزءاً أساسياً من هذا المجال الحيوي.
ثم جاءت الحروب بين أرمينيا وأذربيجان والتي كان آخرها عام 2020 التي انتهت بانتصار باكو في إقليم ناغورنو كراباخ، وشعور يريفان بالخذلان من موقف موسكو التي اكتفت بالعمل على وقف إطلاق النار، وإرسال قوات حفظ سلام إلى الإقليم، ليفجر الخلاف بين الطرفين، خصوصاً أن رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان لا يكّن الكثير من الود إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعمد إلى اتخاذ سلسلة من الخطوات للابتعاد عن الكرملين والاقتراب أكثر من واشنطن.
وإذا كانت المعركة السريعة التي خاضتها أذربيجان قبل أيام في إقليم كراباخ نجحت في إخضاعه لسيادتها ثم الإعلان عن تصفيته ودمجه، قد سرعّت في عملية الافتراق بين موسكو ويريفان، إلا أن الأخيرة قامت قبل ذلك بعدة خطوات رمزية باتجاه القطيعة، حيث رفضت استضافة المناورات المشتركة لدول معاهدة الأمن الجماعي على أراضيها في مطلع العام الحالي «لأن موسكو لم تضطلع بدورها كضامن لأمن أرمينيا» حسب باشينيان.
وفي تصريح متلفز لباشينيان يشير إلى التباعد المتزايد عن موسكو جاء فيه «أن بلاده لم تتخل يوماً عن التزاماتها ولم تخن حلفاءها، لكن الوضع الراهن أظهر أن الأنظمة الأمنية والحلفاء الذين نعتمد عليهم منذ فترة طويلة حددوا لأنفسهم مهمة إظهار ضعفنا»، وتحدث عن «تحالفات غير مجدية»، الأمر الذي أثار حفيظة موسكو التي ردت بعنف عبر بيان لوزارة الخارجية جاء فيه إن يريفان «ترتكب خطأ فادحاً بمحاولتها المتعمدة تدمير العلاقات مع موسكو، وجعل البلاد رهينة للألعاب الجيوسياسية الغربية».
العلاقات بين روسيا وأرمينيا تأخذ منعطفاً جديداً يأخذ يريفان بعيداً عن المجال الروسي الحيوي بما يهدد مصالح الكرملين ودوره التاريخي في المنطقة. لكن من الواضح أن أرمينيا بما تمثله من موقع وعلاقات متوارثة مع موسكو لا تستطيع إعلان الطلاق معها، ولعل التظاهرات الشعبية الواسعة في يريفان ضد رئيس الوزراء وتحميله مسؤولية الفشل في المواجهة مع أذربيجان تحمل مؤشرات مناهضة لموقفه من موسكو.
الإمارات العربية المتحدة أحدث الأخبار, الإمارات العربية المتحدة عناوين
Similar News:يمكنك أيضًا قراءة قصص إخبارية مشابهة لهذه التي قمنا بجمعها من مصادر إخبارية أخرى.
السياسة والرياضة وجهان لعملة واحدة | صحيفة الخليجاستعرضت جلسة «رياضة أم سياسة.. الأقوى تأثيراً» مدى تأثير القوة الناعمة للرياضة والسياسة في عالم اليوم، ومن الأقوى تأثيراً، حيث اتفق المشاركان في الجلسة النقاشية، مصطفى الآغا ومحمد الملا، على أنه لا يمكن الفصل بين السياسة والرياضة، فهما وجهان لعملة واحدة، ومن الأدوات الأساسية للقوة الناعمة. وقال الملا: السياسة هي الأكثر تأثيراً قوة ناعمة بالغة التأثير بما تمتلكه من قوة ونفوذ، غير أن الرياضة أداة مهمة من أدوات القوة الناعمة للسياسة. فالرياضة تخدم السياسة، وليس العكس، رغم دعاوى كثُر بأن تنأى الرياضة بنفسها عن فلك السياسة.
اقرأ أكثر »
«ياس سي وورلد للبحوث» يستقبل جمهوره | صحيفة الخليجبدأ مركز «ياس سي وورلد للبحوث والإنقاذ جزيرة ياس، أبوظبي»، المتخصص في أبحاث وعمليات إنقاذ وإعادة تأهيل وإطلاق الحياة البحرية إلى بيئتها الطبيعية...
اقرأ أكثر »
أوروبا و«مقبرة المتوسط» | صحيفة الخليجلا يكاد يمر يوم إلا ويتعرض أحد قوارب المهاجرين للغرق في البحر الأبيض المتوسط الذي تحوّل خلال السنوات الأخيرة إلى مقبرة لآلاف المهاجرين الذين يحاولون العبور من ضفافه الجنوبية باتجاه الشمال، بحثاً عن الأمن والعمل والأمل، لكنهم غرقوا مع آمالهم التي كانوا يحلمون بها، وتحوّل البحر الأبيض المتوسط إلى «مقبرة تدفن فيها الكرامة الإنسانية»، حسب قول البابا فرنسيس. تقول منظمة الأمم المتحدة للهجرة، إن الربع الأول من العام الحالي، سجل وحده غرق 441 شخصاً، فيما غرق أكثر من 20 ألف شخص منذ عام 2014.
اقرأ أكثر »